اختُتمت، اليوم الخميس 13 نونبر 2025، بمقرّ المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي بالرباط، أشغال الندوة الإفريقية حول “منظومات التربية والتكوين والبحث العلمي في إفريقيا: ديناميات التحول“، التي عرفت مشاركة رؤساء وخبراء مؤسسات وهيئات وطنية تربوية استشارية وتوجيهية تمثل ثمانية عشر بلدًا إفريقيًا.وقد عرف اليوم الأخير من الندوة عقد مائدة مستديرة تداول خلالها رؤساء وممثلي المؤسسات والمجالس المشاركة آفاق التعاون والشراكة المستقبلية بين المؤسسات والهيئات التربوية الإفريقية الموكول إليها حسب قوانين وتشريعات كل دولة مهام استراتيجية تهم الاستشراف والتوجيه و/أو التتبع والمواكبة وتقييم السياسات العمومية المتعلقة بالتربية والتكوين والبحث العلمي، عن التزامهم بمواصلة التشاور والعمل المشترك، واستكشاف صيغ مبتكرة للتعاون من أجل إرساء شبكة إفريقية للهيئات والمؤسسات والمجالس المعنية بالتربية والتكوين، وقد تم بإجماع المشاركين إسناد مهمة التنسيق والإشراف على التحضيرات المتعلقة بالإعلان الرسمي على إنشاء هذه الشبكة للسيدة رحمة بورقية، رئيسة المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي بالمملكة المغربية، وتم تضمين هذا القرار في “إعلان النوايا” الصادر عقب هذه المائدة، والرامي إلى خلق آلية إفريقية لتعزيز تبادل التجارب والممارسات الجيدة بين دول القارة ، وإرساء أسس متينة للتعاون في مجالات التربية والتكوين والبحث العلمي.
وكانت السيدة رحمة بورقية، رئيسة المجلس، قد أكدت في كلمتها الافتتاحية للندوة، أن انعقاد هذا اللقاء يجسد الوعي المتزايد لدى الدول الإفريقية بضرورة التحكم في مصير التربية وموقعها ضمن مسار التحوّل المجتمعي، مشددة على أنّ الاستثمار في تربية ذات جودة يمثل رافعة أساسية للتنمية، وضمانة لتحقيق الرفاه المستقبلي. كما دعت السيدة الرئيسة إلى تجديد الرؤية التربوية الإفريقية بما يواكب التحولات الجيوسياسية والرقمية والاجتماعية التي يشهدها العالم، معتبرة أن تحسين جودة الحياة في القارة يظل رهينا بجودة التربية، وأنه “لا يمكن تصور تحول حقيقي في إفريقيا دون جعل التربية محركا رئيسيا لهذا التحول”.
وعرفت الندوة، التي امتدت على مدى يومي 12 و13 نونبر 2025، نقاشات معمقة حول أسباب وضرورات إصلاح المنظومات التعليمية في إفريقيا، في ظل التحولات العالمية العميقة التي تمسّ البنى المجتمعية والاقتصادية والبيئية والثقافية والتكنولوجيا، بما في ذلك التغير المناخي، والثورة الرقمية والذكاء الاصطناعي فضلًا عن التحديات المرتبطة بتعزيز العدالة الاجتماعية.
وشددت المناقشات خلال الجلسات الثلاث على أن التحديات المستقبلية تحتم إعادة التفكير في منظومات التربية والتكوين في القارة، من خلال:
- ضمان تعليم إلزامي ميسّر الولوج وذي جودة لجميع الأطفال؛
- التركيز على الكفايات العرضانية وإرساء ممرات بين التعليم العام والتعليم التقني والمهني ؛
- تحسين نتائج التعلم من حيث الجودة والإنصاف؛
- تعزيز تكوين الأطر التربوية والإدارية؛
- تطوير آليات التقييم والقيادة التربوية؛
- تطوير البحث العلمي والابتكار وتوجيههما لخدمة التنمية؛
- وإرساء حكامة وتمويل أكثر نجاعة واستدامة.
وفي ضوء المداخلات الغنية، واستنادًا إلى الأفكار والمقترحات الوجيهة التي أفرزتها المناقشات الجادة والبناءة، أسفرت أشغال الندوة عن مجموعة من الخلاصات والتوصيات العملية، من أبرزها:
- الدعوة إلى تجديد الرؤية التربوية في إفريقيا لجعلها أكثر انسجامًا مع التحولات الاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية التي تعرفها القارة والعالم؛
- التأكيد على الاستثمار في البحث العلمي والتعليم التقني والمهني كدعامة رئيسية للتحول الاقتصادي والاجتماعي؛
- ضرورة إرساء حكامة تربوية رشيدة تعتمد على المتابعة والتقييم واستدامة الإصلاحات بمنآ عن التناوبات السياسية الطبيعية في كل نظام ديموقراطي؛
- التركيز على جودة التعلمات والإنصاف في الولوج إلى التعليم، وإعادة الاعتبار لمهنة التدريس كركيزة للنهضة التربوية في إفريقيا.
كما دعا المشاركون إلى تبني مقاربة تجعل المدرسة في قلب التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وتستند إلى العدالة والإنصاف في الفرص التعليمية، وتقليص الفوارق بين المناطق والفئات الاجتماعية، مع التفكير في نماذج جديدة للتعلم تمتد إلى ما بعد الشكل المدرسي التقليدي، وتستجيب لمتطلبات المستقبل المتوسط (2034) في أفق 2063، التي تمثل الذكرى المئوية للوحدة الافريقية.
وقد تُوّجت هذه الندوة الإفريقية بنجاح كبير، سواء على مستوى النقاشات العلمية التي عرفتها، أو على مستوى الدينامية الجديدة التي أطلقتها لتعزيز العمل القاري المشترك في مجالات التربية والتكوين والبحث العلمي. كما شكّلت محطة أساسية لتقوية حضور المملكة المغربية في دعم المبادرات الإفريقية الرامية إلى الارتقاء بالمدرسة وضمان استدامة إصلاحاتها.
